التراث الفلسطيني

مفهوم التراث الفلسطيني

التراث الفلسطيني هو المخزون التاريخي للشعب الفلسطيني، وهذا التراث ناتج عن التجارب التي خاضها الأجداد الذين سكنوا أرض فلسطين عبر العصور التاريخية، فالأجيال السابقة لخصت تجاربها بالعادات والتقاليد والقيم المجتمعية الثقافية التي توارثتها الأجيال، ويشمل التراث الأغاني والأهازيج التي تخضع لضوابط القيم المجتمعية، كما أن التراث الفلسطيني يزخر بمأكولات لها طابع خاص وقيمة عند الفلسطينيين، وكذلك الأعمال والمهن الحرفية اليدوية فإن لها طابع خاص يترجم حاجات المجتمع الفلسطيني، فالتراث الفلسطيني أعطى الشعب الفلسطيني بصمة فريدة تميزه عن باقي الشعوب، فكان للشعب الفلسطيني شخصيّته العظيمة الرائدة في العالم العربي، وتمثل جزء كبير من التراث الفلسطيني بالمباني الأثرية، هذه المباني مع المظاهر التراثية السابقة تترجم عظمة هذا التراث وغناه، فهذا التراث أعطى عمقًا تاريخيًّا وحضاريًّا للشعب الفلسطيني، وبسبب ما يعانيه الشعب الفلسطيني من تهجير وتهويد على أيدي الاحتلال الإسرائيلي، أصبح التراث الفلسطيني مشهورًا بشكل واسع في العالم العربي.

أشكال التراث الفلسطيني

إنّ التراث الفلسطيني فيه قسمان هما التراث المادي، والتراث غير المادي، والتراث المادي واسعٌ وغنيّ لا يُمكن لأحد تجاهله أو التغاضي عنه، يتمثل بشكل رئيس من الأبنية الأثرية التي تُعد شاهدًا على الحضارات التي نشأت على الأراضي الفلسطينية، وهذه الأبنية تعطي قيمة تاريخية ودينية للتراث الفلسطيني.

إنّ أهم معالم التراث المعماري في فلسطين مدينة القدس، فالقدس تحوي المسجد الأقصى الذي له قيمة كبيرة عند المسلمين، إضافة إلى العديد من الأبنية التي تُلخص المراحل التاريخية التي مرت بها المدينة، إضافة للحضارات المتعاقبة على هذه المدينة، كل هذا الغنى العمراني التاريخي يسهم بشكل كبير في الغنى التراثي للشعب الفلسطيني.

المسجد الأقصى

قبة الصخرة

لا يقتصر التراث الفلسطيني على الأبنية، فالشواهد على عظمة هذا التراث كثيرة، فنجد الأغاني الفلسطينية ذات الطابع الخاص، فهذه الأغاني مجهولة المؤلف لها طابع موسيقي تتناقله الأجيال تباعًا، وهذه الأغاني هي تلخيص لتجارب السابقين بأسلوب فنى محبب للنفوس.

أما الزي الفلسطيني فله بصمة واضحة في التراث الفلسطيني، فقد اشتُهرت ملابس النساء بالتطريزات المتقنة ذات الألوان المميزة والأشكال الهندسية للافتة، فأعطت الثوب الفلسطيني جمالية خاصة، والثوب الفلسطيني إلى اليوم يُستخدم في الحفلات والمناسبات المجمعية وخصوصًا الأعراس .

 أما الرجال فأهم ما يميز زيهم هو الكوفية، وهي حطة توضع على الرأس وتكون باللون الأسود والأبيض، واليوم أصبحت الكوفية رمزًا من رموز النضال الفلسطيني ضد الاحتلال الاسرائيلي.

من الأشكال المادية للتراث الفلسطيني الدبكة، فالدبكة الفلسطينية لها طابع خاص، فهي تعتمد على الآلات النفخية والإيقاعية، وتمثل الدبكة الفلسطينية والرقصات الشعبية طابعًا خاصًا لهذا التراث، أما الصناعات الحرفية التقليدية فتمثل جزءًا من التراث الفلسطيني، فمن الصناعات والحرف التي اشتهرت بها فلسطين: زيت الزيتون والصابون، واشتهرت بصناعة المفتول الذي يُعد مكونًا للعديد من الأكلات المشهورة في التراث الفلسطيني، كما اشتهرت بالتطريز الذي له طابع مميز عن باقي أنواع التطريز المشهورة في سوريا والأردن، ولا يمكن نسيان صناعة النحاسيات والقش والفخار، إضافة إلى العديد من الصناعات اليدوية التقليدية، وهذه الصناعات تعدُّ سجلًا يحفظ بين طياته دلائل لحال الأمة وعاداتها وتقاليدها.

أمّا التراث الفلسطيني غير المادي، فتمثل الأمثال الشعبية الفلسطينية والممارسات المجتمعية أكبر شاهد على عمق التجربة المجتمعية للشعب الفلسطيني، فالأمثال مجهولة القائل ومجهولة تاريخ قولها، إلا أنها تُعبّر عن تجربة مجتمعية ناضجة عُبر عنها بالقول المقتضب، وهذه الأمثال تتوافق مع العادات والقيم الأخلاقية المجتمعية للشعب الفلسطيني، ولعلّ من أشهر الأمثال التي تُعبّر عن الشخصية الفلسطينية المثل الآتي "لو عكا بتخاف من هدير البحر ما سكنت حِداه".

أمّا المُمارسات المجتمعية فتتمثل بالطقوس المصاحبة للأعياد الإسلامية، فالاحتفال بعيد الفطر وعيد الأضحى وعيد المولد النبوي الشريف لهم طوابع احتفاليّة خاصة من خلال صنع أنواع من الحلويات المتميزة بالتراث الفلسطيني، إضافة إلى أنّه في التراث الفلسطيني يحتفلون بالأعياد المسيحية التي تتمثل بعيد الميلاد ورأس السنة الميلادية، وكذلك الاحتفالات المصاحبة لمواسم الحصاد، فموسم الحصاد له الكثير من الدلالات في التراث الفلسطيني، كما أن مناسبات الوفاة والزواج والإنجاب لها طابع خاص عند الشعب الفلسطيني، فهذه الممارسات تتماشى مع القيم والعادات والتراث الفلسطيني يبقى شاهدًا على عظمة الشعب الفلسطيني، ويُلخص عظمة الحضارات المتعاقبة على أرض فلسطين.

يوم التراث الفلسطيني

يُصادف اليوم السابع من شهر تشرين من كل عام يوم التراث الفلسطيني، وفي هذا اليوم يتم إحياء مظاهر التراث الفلسطيني، ويعود سبب تخصيص يومًا لإحياء مظاهر التراث الفلسطيني إلى الرد على المحاولات التي يقوم بها الاحتلال الاسرائيلي ، فالاحتلال الاسرائييلي يحاول تشويه التراث الفلسطيني من خلال سرقته وطمس معالمه، والحاجة لمثل هذا اليوم تزيد بسبب ما تمر به القضية الفلسطينية.

إنّ الحفاظ على التراث الفلسطيني يعني الحفاظ على وجود الشعب الفلسطيني الذي يتعرض لحملات التهويد والتهجير يوميًا على أيدي الاحتلال الإسرائيلي. أمّا أصل هذا اليوم فيعود للمؤرخ الفلسطيني نمر سرحان، ففي عام 1966م كان يُعدّ برنامجًا عن الهوية العربية الفلسطينية لإذاعته على إذاعة صوت فلسطين، وكان البرنامج الإذاعي بعنوان "قريتي هناك".

وكانت دراسة المؤرخ نمر سرحان شاقة وكفاحية، وحصل خلال مسيرته على دعم من الاتحاد العام للكتاب الصحفيين الفلسطينيّين، وتكللت مسيرة المؤرخ نمر سرحان بإقرار مجلس الوزراء لعام 1999 اليوم السابع من شهر تشرين الأول من كل عام يومًا لإحياء مظاهر التراث الفلسطيني العريق، فالتراث الفلسطيني يمثل الركيزة الأساس للهوية الفلسطينية، فالشخصية الفلسطينية شخصية فريدة، وهذه الفرادة ليست إلا مرآة لعظمة هذا الشعب وعظمة تاريخه الممتدة جذروه في عمق التاريخ.

كما أنّ أهمية يوم التراث الفلسطيني تكمن في محاولته لنقل الثروة الضخمة لهذا التراث، هذه الثروة التي تتمثل بالأدب والقيم والعادات والمعارف الشعبية، والمعارف الثقافية والفنون بأنواعها، والحرف والمهن والأكلات والملابس والموسيقى والأغاني، وهذه المظاهر العظيمة لا يُمكن تجسيدها في يوم واحد، ولكن يبقى اليوم السابع من شهر تشرين الأول شاهدًا حيًا على عظمة التراث الفلسطيني وعظمة الشعب الفلسطيني النابض بالحياة.

قيمة التراث الفلسطيني

إنّ التراث الفلسطيني هو الذاكرة التي تحفظ لأبنائها تاريخهم، فالتراث هو الذاكرة لأي شعب، والتراث الفلسطيني أكبر شاهد على عظمة التاريخ للشعب الفلسطيني، كما أن التراث الفلسطيني يُعدُّ اليوم سلاحًا في وجه الممارسات الاسرائيلية في محاولة طمس الهوية الفلسطينية، فالتراث الفلسطيني سلاح لا يمكن قهره في وجه الممارسات الغاشمة للاحتلال الاسرائيلي.

العدو الصهيوني يعلم قيمة التراث الفلسطيني، فيحاول نشر الجهل مكان العلم، ويحاول إبعاد الفلسطينيّين عن تراثهم، لأن الاحتلال الاسرائيلي يعلم أن التراث هو أكبر حاجز يقف في وجه الاحتلال، فعندما يتخلّى أي شعب تراثه يصبح كالشجرة بلا جذور تٌُزال مع أول عاصفة، لذلك يسعى الاسرائيلي بلا كلل أو ملل لسرقة وطمس التراث الفلسطيني، كما أنّ التراث هو الهوية لأي شعب، فلا يوجد أمة لها تاريخ من دون تراث.

تكمن قيمة التراث كونه إرثًا عظيمًا للشعب، ففيه تراكم للمعارف والخبرات السابقة التي تركها الأجداد للأبناء يرثونها جيلًا بعد جيل، كما أنّ التراث يساعد في معرفة تاريخ المدن الفلسطينية، ويُعد التراث شاهدًا على الحقبات التاريخية وما مرت به المدن الفلسطينية. قيمة التراث الفلسطيني في كونه أداة تعرف المجتمعات العربية والعالمية على روعة الحضارات التي سكنت فلسطين، وهذا التراث يولد الدافع لدى الشعب الفلسطيني للمحافظة على إرث هذه الحضارات المتعاقبة على أرضه، والذي يُعد المواطن الفلسطيني الوريث الشرعي الوحيد لها، وهذا الدفاع عن التراث يترافق معه الوعي والمعرفة. أمّا على الصعيد المجتمعي فالتراث الفلسطيني له أثر واضح، فالتراث يساعد على فهم الطبيعية المجتمعية لأبناء الشعب الفلسطيني، فيسهل التأثير فيهم من قبل مثقفيهم من أجل الدفاع عن أرضهم، فالإنسان عندما يعلم قيمة التراث الذي بين يديه يصبح أغلى ما يملك، ويحافظ عليه بروحه ودمه. تكمن القيمة الكبرى للتراث الفلسطيني بتنوعه، فالتنوع دليل على الغنى، ولا ينتج التنوع إلا من الحضارات العريقة التي استوطنت فلسطين فترات طويلة، ويكون الغنى على كافة الأصعدة المجتمعية الثقافية والشعبية والأدبية والفكرية والصناعية، ممّا يولد عند الإنسان الفلسطيني ثقةً بنفسه، وتقديرًا لقيمته وأصله وعظمته، فيشعر الإنسان الفلسطيني باتصاله بأرضه وتراثه وانتمائه إليهما فيبذل الغالي والنفيس للحفاظ على أرضه وتراثه.